الجمعة، 7 فبراير 2014

بوح للماضي سيكرره الزمن

:
تحدوني الذاكرة لجدتي...امرأة لطالما اجتاحتها ثورة العنفوان وكست ملامحها حدة وصلابة وقسوة وفي داخلها يختبئ الطيب والعطف ويتملكها الضعف وقلة الحيلة كأي امرأة أخرى ... ولمن يستمع لأحاديثها يدرك حجم القوة والعناد اللذان  كانا يستشريان في نفسها الأبية...لم تكن لتعترف بالهزيمة يوما!!! أو تنكر  التقصير في حق نفسها..أو تقبل بخدمة احد لها ومشاركتها حتى في أدق التفاصيل الصغيرة..لها روح مرحة عندما تتحدث عن الماضي،يأسرها،تبرق لذكره عيناها،  فتهزج بقصائد تفيض بالحكمة والعبر..لم يكن يؤرقها ويقظ مضجعها سوى الحاضر، فلم تتقبله يوما ولطالما كانت تمقته بكل أشكاله وصوره،فتجدها تعقد المقارنات بين الامس واليوم في أسى وغضب شديد..
استطعت ان المح نظرة حزن تختبىً في عينيها مرة عندما كانت تتحدث عن رفيقاتها تسرد لي بعض المواقف وشيئا من تلك الحكايا...
وقد كانت تنبش بيداها الحصير كعادتها وكأنها تفتش عن شي ما!!...لم ترفع رأسها عن الأرض حتى تمتمت في حزن:
..لقد رحلن كلهن يبنتي  وتوفاهن الله وها انا مازلت على قيد الحياة....نال الحزن قسمات وجهها لبرهة حتى تناست الأمر  وعادت تتحدث في شؤون الناس بعين الغضب معيبة مستنكرة فلم يكن احد يروق لها ابدا...
تبادر لذهني سؤال:
كيف للمرض أن يهزم جدتي يوما،كيف سنفقدها وهي التي تتمتع بهذه الصلابة والشموخ... 
مرت الايام سريعا ولم تعد جدتي كسابق عهدها،هان عزمها ووهن عظمها، وضعف ادراكها واستحالت لطفل صغير بدأ ينتفض ويأخذ منه الضعف  شيئا ف شيئا...
رمقتها بأسى وانا أنظر لتلك المرأة القوية ممدة على سرير ابيض ولم تكن لتهزم المرض يوما بما عرفت من قوة ومكابرة...
مضت  جدتي فيمن مضوا ولحقت بركب الرحل ممن عرفتهم  يوما عندما شدا  بها الحنين صوبهم ،، وكأنها عافت الحياة والتغيير وكل جديد فيها...
ادركت انها الحياة لا لذيذ يدوم فيها عندما نفقد اصحابنا،أحبابنا، ونبقى نصارع الوحدة  في عالم جديد ليس لنا...نستجدي التفاتة الغرباء وعطفهم وشئ من ذلك 
الاهتمام...
الغرباء ممن يصغرونا بعقود من العمر في ثوب جديد خلق لهم ولم يخلق لنا...ونمط فريد لم نتبعه في ماضيات ايامنا...وكم يكبر الألم ويتسع عندما يرحل عنا جميع من شاركونا تلك الايام وتفاصيلها حتى شواردها...طقوسها ولونها ورائحتها...تبدد كل شئ واختفى فجأة..
انه الماضي وحده ذلك الحنين الذي يستوطن في جنبات انفسنا...روحا اخرى اتخذت ركنا قصيا في زاوية من زوايا المشاعر..عارية باردة تنتحب ولا تجيد سوى لغة  البكاء...ليس على الاطلال فحسب..على الاصحاب...الاحباب..المشاعر التي كانت..الصخب والضجيج..الصدق والنقاء..حتى السكون...
مهما تقدم بنا العمر وامتد بنا موج الحياة عاتيا حتى نهايات الأجل سيظل للماضي صوت في أنفسنا  هادر كالبحر  لن يختفي ...عذبا يشبه الماء في كل صفاته..تبتل به عروقنا.. يروينا من ظمأ الذكريات وشجو الحنين...


هناك تعليق واحد: