"بعض اهتمام هو السخاء بعينه..."مقال"..
كثيرا مانعايش مواقفا مزعجة تحدث على مرأى من أسماعنا وأبصارنا..يأخذنا الضجر ناحيتها ونود لو أننا نملك في أيدينا حفنة من الرد فنعجز كل العجز ونؤثر أن نعتمر قبعة الصمت...دون أن نبدي نصيحة أو حتى إشارة..فلسنا في مزاج يسمح لنا بتلقي الإهانات وسيل من الشتائم..أبسطها أن تسمع عبارة"ومادخلك أنت؟!!"..
ولكن ماذا لو أريقت كرامة الآخرين أمام ناظرك ولم تحفظ لوجوههم نقطة ماء!!..كثيرون يعتبرونها لعبة ممتعة يمارسونها في حق أولئك الضعفاء الفقراء..بدافع إثارة جو من الفكاهة أو ليكونوا محط جذب وانتباه أو بدافع القصد ...ولكنهم في كل الأحوال اقترفوا جريمة سحق لمشاعرهم وإبادة بإهانتهم للآخرين وعدم احترامهم..انهم تماما فقراء الشعور...
قد كنت في صالة انتطار بمركز الشرطة لأنهاء معاملة وكانت تكتض بالعاملات المستقدمات للخدمة..جلسن قبالتي اثنتان يجبن بأنظارهن في اضطراب زوايا المكان..الذعر والقلق يعقد بملامح وجوههن البائسة..وخوفهن من القادم المجهول في جحيم الغربة بغية لقمة العيش..وكل حيلتهن ابتسامات ضائعة يوزعنها على من حولهن..
تقدمت منهن إمرأة شديدة البأس هي المسؤولة عنهن وبصوتها المدوي أمرتهن بالإستعداد والنهوض تأهبا للدخول ،وبقبضة يديها أمسكت بأطراف ثيابهن متعجلة وكأنهن بعض الدمى لايفهمن لغة الإشارة ابتسمت احداهن في خجل ولم تكد تنهض حتى تعثرت بقدماها لتزمجر تلك وترعد وتتوعد...حتما كانت تنتظر منا أن نضحك وننفس عن أنفسنا بهذا التصرف الذي قصدته على حساب مشاعر أولئك المعدمات...
وفي موقف يتكرر كثيرا معي في أماكن المحاسبة عند التسوق...الكاشيرة المواطنة وبكل فخر تسخر من العامل الوافد وتصرخ في وجهه بفظاظة وحديث خال من الأدب أمام الزبائن طالبة منه أن ينفذ عمله بشكل صحيح ويخدم الزبائن جيدا وقد وصل الأمر لإحداهن أنها جرته وشدته من يده بكل جرأة ووقاحة..لينتهي به الحال خجلا يلملم ماتبقى له من كرامة تصيغ هيبته من جديد...
وأخرى تشكي من زوجها وأخيها وأنها كرهت مرافقته للتسوق لأنه يتفنن في إهانة الباعة واستحقار بضاعتهم لدرجة أنه يرميها بكل ازدراء في وجوههم...
فقراء الشعور كثيرون منهم من امتدت أيديهم الآثمة لتصيب قلوب الصغار الأبرياء فأب يفترض أن تتمثل في قلبه الرحمة برفقة زوجته وابنته الصغيرة تختبئ في عربة التسوق وتبكي بصوت عال يصرخ في وجهها ويعطيها كف وراء كف ولأنه رجل عصبي زوجته بجانبة لا حول لها ولا قوة ..ترى ماهو الذنب الكبير الذي اقترفته تلك الطفلة في هذ المتجر!!!..وابنتي الصغيرة تسمرت في مكانها تتأمل تلك الطفلة وقد عافت الألعاب المثيرة من حولها ولم تعد تجد فيها الأنس والسعادة!!!!
إنه الإهتمام..الإحترام..ذلك النسيم الذي تحتاج أن تستروحه الأنفس رغيفا شهيا تتناوله بشراهة..
لايحتاج أحدنا إلى كثرة المال والدنانير بقدر حاجته الى الإحترام والتقدير...وشعوره بأنه شيئا مهما في نظر الآخرين ولو ذرة..
حتى اافقراء المعدمين يفتشون عن الدرهم وقد ضاقت بهم سبل العيش وأنفسهم تؤثر درهم احترام واهتمام خيرا من كل الدراهم..الإحترام والتقدير طاقة من الحب نمدها في تلك الأرواح البائسة تعينها على الحياة،على استمراريتها بسعادة وإشراق دون نضوب...بحراك وهمة عالية...برضى وأمل...بل إن أحدنا ينبغي أن يحتسب فيه حياة لأنفس ضاقت بها الدنيا فيدخل فيمن قال الله فيهم:"ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا"!!
الإهتمام حياة وخير حياة...
ولنا مع رسول الله خير مثال وهو الذي لم يرفع صوته على خادم له قط..لأنه ملهم الإنسانية خبير بالنفس البشرية وماتحتاجه من حب واهتمام..
لقد قيل إذا أردت أن تكون مهما فكن مهتما..
الإهتمام يجعل الحب يدوم طويلا..على فقراء الشعور أن يتذكروا قول الشاعر:'
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم
فطالما استعبد الإحسان إنسان...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق