الأحد، 27 أكتوبر 2019

ولدي لايفعلها

ولدي لايفعلها :
_قصة قصيرة_
زكية الشبيبية 
_________
دخل عابد على غير العادة متهللا مستبشرا يحمل بين يديه صنوفا وأفراحا من شأنها أن تخلق البهجة في وجوه إخوته الصغار،إنها المرة الأولى التي يشعر فيها بالفخر والزهو،هاهو ذا يستشعر معنى أن يكون كبير العائلة وذراعها المتينة، وضع شوال الأرز جانبا، ثم فتح الفريزر الفارغ ليفرغ فيه كرتونة الدجاج المثلج، علبة التونة كانت آخر وجبة تناولها منذ غداء البارحة... كم يشتهي اليوم تناول الدجاج بكبسة لذيذة على طريقة أمه ونفسها الطيب، فقد مضى وقت طويل منذ تلك الكبسة الأخيرة التي أعدتها،سحب صندوق الثلاجة الفارغ هو الآخر ليطرح ما يختبئ في كراتين الفاكهة من حلو الثمار، ويلون مع كل حبة يطرحها ذلك الفراغ القاتم الذي كان يغطي الثلاجة المهترئه ، شعر بأنه في جو حالم، طار مع تلك الألوان بسعادة كمن يتزحلق على قوس قزح، ولكن شهقة مريعة أفسدت جوه وقطعت شرودة، أمه نجية تسمرت على باب المطبخ وقد ترك مفتوحا أخذت تناظره بعين فزعه وهي تضع يديها على قلبها.. كان يدق برتابه، سلم عليها عابد معلقا :
_ خير يا أمي لما أنت مصدومة هكذا؟ تعالي ساعديني قليلا...
تجاهلته، دلفت نحو الممر الذي يفضي إلى فناء البيت من الخارج، تنفست الصعداء، ملئت رئيتها بالهواء ، نظرت للسماء نظرة ملؤها العتب، تذكرت البرنامج الإنتخابي، ونهم بعض المرشحين في كسب الأصوات وشرائها مقابل حفنة من المال، إنه الموسم الذي تمطر فيه السماء ذهبا!،تسائلت :هل فعلها حافظ القرآن....؟
ضربت كفها بقوة :
_ياخسارة تربيتي فيك ياعابد....
تحدرت دمعات الوجع من مقلتيها، لتمضي ناقمة على الفور إلى جارتها أم جاسم فهي الوحيدة التي ستوافيها بالخبر اليقين،فابنها جاسم بعمر عابد تقريبا ، ترعروا معا في نفس الحارة وجروا على ذات الزقاق، كانت حزينة للغاية عندما سألتها ببؤس :
_ هل قبض جاسم رشوة انتخابه للمترشح ؟ 
ضحكت أم جاسم بعفوية :
_ بالطبع وهل تفوت علينا مثل هذه الفرصة؟ ، انتي أعلم يا ام عابد الشباب عاكفون في البيوت بلا  وظائف، وهذا موسم الخير أقبل...
أكملت أم جاسم حديثها متحمسة في الوقت الذي كانت فيه الأخرى تعتصر ألما :
_ جاسم ولدي حظه يفلق الصخر أحضر أصدقائه وأعطوه ضعف المبلغ مكافأه....
رفعت يدها معترضة :
_ رشوة يا أم جاسم رشوة تعقبها لعنة... عساك لم تفرحي ....

ثم مضت في طريقها تملؤها الخيبة بينما كانت أم جاسم تصفق بكلتي يديها وهي تقول :
_وليش ماتكون صدقة لأولادنا الفقارى... صدقة يااختي ربي يكبر واجبهم....

أقبل عابد وهو يقبل يديها مازحا :الراشن وشريناه، باقي الكبسة الحلوة من يديك...
تحاشته، لازالت مصدومة، أخرجت الدجاجة بدأت تفككها وتغسلها وقد نقعتها في الماء والملح ، لم يفتر لسانها عن الإستغفار ، طبخت مكرهة فهي لا تتحمل مزاج زوجها السئ وتعنيفه المستمر لها، لقد تكالبت عليها الظروف وكم تشتهي الفرج ....
أحضرت البساط وفرشته، كانت تتأمل تلك العيون المحيطة بها وقد تمركزت نحو الصحن بقوة، هناك على فضاء الصحن تسابقت أيديهم وتشابكت وضحكاتهم تملأ المكان ، أما هي فقد اعتزلتهم في ركن قصي، قطع شرودها صوت رسالة صوتية فتحها عابد في هاتفه على مسمع من الجميع :
_ هل استلمت المبلغ يا أخي عابد، ماقصرت لقد تعبت معنا في سوق السكراب وأنعشت البضاعة من خبرتك... 
لمعت عيناها فجأة، عقدتها الدهشة، تمتت :سوق السكراب..؟ 
اتاها صوته متحمسا :الحمدلله يا أمي كنت أنتظر سؤالك، فأنا  وشريكي نعمل في بيع قطع الغيار والأمور طيبة، الخير مقبل يا أمي دعواتك...
مسحت دمعة خبيئة، أقبلت على الصحن، تناولت بشهية مفتوحة كما لم تأكل من قبل ، وهي تمتم ملأ قلبها :
_الحمدلله ولدي عابد لايفعلها. ....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق