حكاية حنان :
في الملتقى التربوي لأولياء الأمور جلست ك عادتي بانتظار الأمهات أحمل بين يدي ذلك السجل _سجل الدرجات _الذي تختبئ فيه آمال الأمهات وخيباتهن العظام ، فمن كالأم يحمل هم هؤلاء الأبناء ونجاحهم بشتى الطرق،تلك المرأة ذات الوجه المريح أقبلت نحوي، سألتني بابتسامة ساحرة :هل أنت معلمة الدراسات؟
أجبتها: نعم،كان يراودني الفضول لمعرفة من تكون ؟
عرفت بنفسها : أنا أم حنان .....
عندها تهللت أسارير وجهي، حنان هي التلميذة الوحيدة التي حصلت على الدرجة النهائية في المادة بإجابات دقيقة مدروسة تنم عن ذكاء وفهم، ابتسمت الأم مطمئنة وانا أزف لها البشارة غير أن اندهاشي المفاجئ بحنان كان قد قطع سعادتها تلك،ففي الحقيقة لم أكن أتوقع من حنان بالتحديد أن تحصل على هذه الدرجة بسبب انطباعي المسبق عنها ك معلمة دراسات حكمت عليها بقسوة الجلاد ذو الحكم النافذ بأنها دون المستوى لأنها كانت بالكاد تجيب عن بعض الأسئلة في المادة وتتردد كثيرا وتخطئ مرارا! ، لولا تلك الورقة التي رفعتها في عيني لتلمع ناحيتها دهشة واعجابا، فما الذي يجعل طالبة بهذا الذكاء لا تتجاوب معي أثناء الدرس؟ ،أنصتت أم حنان لحديثي باهتمام ثم بدأت تحكي لي وقد عدلت من جلستها ولملت أنفاسها المتعبة فليس أمرا سهلا أن تحكي معاناتها وصوت الألم وحده ذلك الذي يخنق أنفاسها ، قالت لي :
_ إن حنان تمر بفترة صعبة فهي تشتاق لأبيها الغائب كثيرا وتفتقده.
بدوت متسائلة :خيرا ان شاء الله ماسبب غيابه؟ طرحت هذا السؤال جزافا وفي قلبي خوف هل تكون حور يتيمة الأب
أجابتني على الفور :أبوها في السجن صار له سنوات، بسبب قضية ديون تراكمت عليه، لقد أكمل خمس سنوات حتى الآن من محكوميته ولازال هناك الكثير.
واصلت حديثها :
_ لقد أخذتها بمفردها لزيارة أبيها في السجن بسبب شوقها الكبير له، لقد ارتمت في حضنه كثيرا واخذت تبكي بشدة...
سرت قشعريرة في جسدي وبدوت مهزوزة، عقد لساني عن الكلام، فماذا عساي أن أقول؟ يالهذا الألم يكوي قلوبا صغيرة دونما أي ذنب، تريد حور أن تأنس بأبيها ولكنه يختبئ في فقاعة متهالكة لا تستطيع أن تصل إليها، فما الذنب الذي جنته هذه الصغيرة؟إن أخطاء الآباء لاتغتفر عندما تمس الأبناء ليذوقوا من خلفها الألم والعذاب، واصلت أم حنان حديثها :
_ لقد توفت أمه بعد إصدار الحكم عليه بأسبوع واحد ثم تلتها أمي في الأسبوع الذي يليه فقد حملت همي بشدة وانفطر قلبها لحالي....
أنهت حديثها بابتسامة رضا :
_ لا تلومي حنان يا أستاذة فالوضع الذي تعيشه صعب للغاية، وبالكاد أستطيع أن أدبر أمور معيشتهم من أجل حياة كريمة...رمقتها هذه المرة بعين مختلفة، كم هي امرأة عظيمة هذه التي تجلس أمامي ، امرأة تكافح من أجل سعادة أبنائها صابرة يمتلئ وجهها نورا وسعادة رغم كل شئ...امرأة تقف بجانب ابنتها لتكون في مصاف الأوائل والمتفوقين رغم تلك الجراح التي تلدغها طوال فترة غياب زوجها، ودعت أم حنان وفي قلبي دعوات متزاحمة بأن يسوق الله لها الخير والفرج لأشاهد الفرح كل الفرح يلمع في عين تلك الصغيرة الجميلة حنان ..
الأحد، 1 ديسمبر 2019
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق